فصل: الخبر عن بني برزال إحدى بطون دمر وما كان لهم من الحال بقرمونة وأعمالها من الأندلس أيام الطوائف وأولية ذلك ومصائره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن بني برزال إحدى بطون دمر وما كان لهم من الحال بقرمونة وأعمالها من الأندلس أيام الطوائف وأولية ذلك ومصائره:

قد تقدم لنا أن بنى برزال هؤلاء من ولد ورنيدين بن وانتن بن وارديرن بن دمر كما ذكره ابن حزم وأن إخوتهم بنو يصدرين وبنو صمغان وبنو يطوفت وكان بنو برزال هؤلاء بإفريقية وكانت مواطنهم منها جبل سالات وما إليها من أعمال المسيلة وكان لهم ظهور ووفور عدد وكانوا نكارية من فرق الخوارج ولما مر أبو زيد أمام إسماعيل المنصور وبلغه أن محمد بن خزر يترصد له أجمع الاعتصام بسالات وصعد إليه وأرهقته عساكر المنصور فانتقل عنه إلى كتمامة وكان من أمره ما قدمناه ثم استقام بنو برزال على طاعة الشيعة وموالاة جعفر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة والزاب حتى صاروا له شيعا ولما انتقض جعفر بن معد سنة ستين وثلثمائة كان بنو برزال هؤلاء في جملته من أهل خصوصيته فأجازوا معه البحر إلى الأندلس أيام الحكم المستنصر فاستخدمهم ونظمهم في طبقات جنده إلى من كان به من قبائل زناتة وسائر البربر أيام أخذهم بالدعوة الأولة ومحاربتهم عليها للادارسة فاستقروا جميعا بالأندلس وكان لبني برزال من بينهم ظهور وغنى مشهور ولما أراد المنصور بن أبي عامر الاستبداد على خليفته هشام وتوقع النكير من رجالات الدولة وموالي الحكم استكثر أبي برزال غيرهم من البربر وأفاض فيهم الإحسان فاعز أمره واشتد أزره حتى أسقط رجال الدولة ومحى رسومها وأثبت أركان سلطانه ثم قتل صاحبهم جعفر بن يحيى كما ذكرناه خشية عصبيته بهم واستمالهم من بعده فأصبحوا له عصبة وكان يستعملهم في الولايات النبهة والأعمال الرفيعة وكان من أعيان أبي برزال هؤلاء اسحق بن فولاه في قرمونة وأعمالها فلم يزل عليها أيام بني عامر وجدد له العقد عليها المستعين في فتنة البرابرة وولها من بعده ابنه عبد الله.
ولما انقرض ملك بني حمود من قرطبة ودفع أهلها القاسم المأمون عنهم سنة أربع عشرة وأربعمائة أراد اللحاق بأشبيلية وبها نائبه محمد بن أبي زيري من وجوه البربر بقرمونة عبد الله بن اسحق البرزالي فداخلهما القاضي ابن عتاد في خلع طاعة القاسم وصده عن العملين فأجابا إلى ذلك لهم دس للقاسم بالتحذير من عبد الله ابن إ سحق فعدل القاسم عنهما جميعا إلى شريش واستبد كل منهم بعمله ثم هلك عبد الله من بعد ذلك لولى ابنه محمد سنة وكانت بينه وبين المعتمد بن عباد حرب وظاهر عليه يحيى بن على بن حمود في منازلة أشبيلية سنة ثمان عشرة وأربعمائة ثم اتفق مع ابن عتاد بعدها وظاهره على عبد الله الأفطس وكانت بينهما حرب كانت الدائرة فيها على ابن الأفطس وحصل ابنه المظفر قائد العسكر في قبضة محمد بن عبد الله بن اسحق إلى أن من عليه ذلك وأطلقه ثم كانت الفتنة بين محمد ابن اسحق وبين المعتضد وأغار إسماعيل بن المعتضد على قرمونة في بعض الأيام بعد أن كمن الكمائن من الخيالة والرجال وركب إليه محمد في قومه فأستطرد له إسماعيل إلى أن بلغوا الكمائن فثاروا بهم وقتلوا محمد البرزالي وذلك سنة أربع وثلاثين وأربعمائة وولي ابنه العزيز بن محمد وتلقب بالمستظهر مناغيا لملوك الطوائف لعهده ولم يزل المعتضد يستولي على غرب الأندلس شيئا فشيئا إلى أن ضايقه في عمل قرمونة واقتطع منه أسجه والمورو ثم انخلع له العزيز عن قرمونة سنة تسع وخمسين وأربعمائة ونظمها المعتضد في ممالكه وانقرض ملك بني برزال من الأندلس ثم انقرض من بعد ذلك حيهم من جبل سالات وأصبحوا في الغابرين والبقاء لله وحده سبحانه.
العزيز محمد بن عبد الله بن اسحق البرزالي.

.الخبر عن بني وماتوا وبني يلومي من الطبقة الأولى من زناتة وما كان لهم من الملك والدولة بأعمال المغرب الأوسط ومبدأ ذلك وتصاريفه:

هاتان القبيلتان من قبائل زناتة ومن توابعهم الطبقة الأولى ولم نقف على نسبهما إلى جانا إلا أن نسابتهم متفقون على أن يلومي وورتاجن الذي هو أبو مرين أخوان وأن مديون أخوهما للأم ذكر ذلك غير واحد من نسابتهم وبنو مرين لهذا العهد يعرفون لهم هذا النسب ويوجبون لهم العصبية له.
وكانت هاتان القبيلتان من أوفر بطون زناتة وأشدهم شوكة ومواطنم جميعا بالمغرب الأوسط وبنو وماتوا منهم إلى جهة المشرق عن وادي ميناس ومرات وما إليهما من أسافل شلف وينو يلومي بالعدوة الغربية منه بالجعبات والبطحاء وسيد وسيرات وجبل هوارة وبني راشد.
وكان لمغراوة وبني يفرن التقدم عليهم في الكثرة والقوة ولما غلب بلكين بن زيري مغراوة وبني يفرن على المغرب الأوسط وأزاحهم إلى المغرب الأقصى بقيت هاتان القبيلتان بمواطنهما واستعملهم صنهاجه في حروبهم حتى إذا تقلص ملك صنهاجة عن المغرب الأوسط واعتزوا عليهم واختص الناصر بن علناس صاحب القلعة ومختط بجاية بني وماتوا هؤلاء بالولاية فكانوا شيعا لقومه دون يلومي وكانت رياسة أبي وماتوا في بيت منهم يعرفون ببني ماخوخ وأصهر المنصور بن الناصر إلى ماخوخ منهم في أخته فزوجها إليه فكان لهم بذلك مزيد ولاية في الدولة.
ولما ملك المرابطون تلمسان أعوام سبعين وأربعمائة وأنزل يوسف بن تاشفين بها عامله محمد بن تينعمر المسوفي ودوخ المنصور وملك أمصارها إلى أن نازل الجزائر وهلك فولى أخوه تاشفين على عمله فغزا أشير وافتتحها وخربها وكان لهذين الحيين في مظاهرته وإمداده أحقد عليهم المنصور بعدها وأغرى بنى وماتوا في عساكر صنهاجة وخلع لماخوخ فهزمه وأتبعه منهزما إلى بجاية وقتل لمدخله إلى قصره قتلته زوجه أخت ماخوخ تشفيا وضغنا ثم نهض إلى تلمسان في العساكر واحتشد العرب من الأثبج ورياح وزغبة ومن لحق به من زناتة وكانت النزلة المشهورة سنة ست وثمانين وأربعمائة أبقى فيها ابن تينعمر المسوفي بعد استمكانه من البلد كما ذكرناه في أخبار صنهاجة ثم هلك المنصور وولي ابنه العزيز وراجع ماخوخ ولايته وأ صهر إليه العزيز أيضا في ابنته فزوجها إياه واعز البدو في نواحي المغرب الأوسط واشتعلت نار الفتنة بين هذين الحيين من بني وماتوا وبني يلومي فكانت بيهنم حروب ومشاهد وهلك ماخوخ وقام بأمره في قومه بنوه تاشفين وعلي وأبو بكر وكان أحياء زناتة الثانية من بني عبد الواد وتوجين وبني راشد بني ورشفان من مغراوة مددا للفريقين وربما ماد بنو مرين إخوانهم بني يلومي لقرب مواطنهم منهم إلا أن زناتة الثانية لذلك العهد مغلوبون لهذين الحين وأمرهم تبع لهم إلى أن ظهر أمر الموحدين وزحف عبد المؤمن إلى المغرب الأوسط في اتباع تاشفين بن علي وتقدم أبو بكر بن ماخوخ ويوسف بن زيد من بني وماتوا إلى طاعته ولحقوه بمكانه من أرض الريف فسرح معهم عسكر الموحدين لنظر يوسف بن واندين وابن يغمور فأثخنوا في بلاد بني يلومي وبني عبد الواد ولحق صريخهم بتاشفين بن علي بن يغمور فأثخنوا في بلاد بني يلومي وبنى عبد الواد ولحق صريخهم بناشفين بن على ابن يوسف فأمدهم بالعساكر ونزلوا منداس واجتمع لبني يلومي بنو ورسفان من مغراوة وبني توجين من بني بادين وبنو عبد الواد منهم أيضا وشيخهم حمامة بن مظهر وبنو يكناسن من بني مرين وأوقعوا ببني وماتوا وقتلوا أبا بكر في ستمائة منهم واستنفذوا غنائمهم وتحصن الموحدون وفل بني وماتوا بجبل سيرات ولحق تاشفين بن ماخوخ صريخا بعبد المؤمن وجاء في جملته حتى نزل تاشفين بن علي بتلمسان ولما ارتحل في أثره إلى وهران كما قدمناه سرح الشيخ أبو حفص في عساكر الموحدين إلى بلاد زناتة فنزلوا منداس وسط بلادهم وأثخنوا فيهم حتى أذعنوا لطاعته ودخلوا في الدعوة ووفد على عبد المؤمن بمكانه من حصار وهران مقدمهم سيد الناس بن أمير الناس شيخ بني يلومي وحمامة بن مظهر شيخ بني عبد الواد وعطية الخير شيخ بني توجين وغيرهم فتلقاهم بالقبول.
ثم انتقضت زناتة بعدها وامتنع بنو يلومي بحصنهم الجعبات ومعهم شيخهم سيد الناس ومدرج ابنا سيد الناس فحاصرتهم عساكر الموحدين وغلبوهم عليها وأشخصوهم إلى المغرب ونزل سيد الناس بمراكش وبها كان مهلكه أيام عبد المؤمن وهلك بعد ذلك بنو ماخوخ.
ولما أخذ أمير هذين الحيين في الانتقاض جاذب بنو يلومي في تلك الأعمال بنو توجين وشاجروهم في أحواله ثم واقعوهم الحرب في جوانبه وتولى ذلك فيهم عطية الخير شيخ بني توجين وصلى بنارها معه منهم بنو منكوش من قومه حتى غلبوهم على مواطنهم وأذلوهم وأصاروهم جيرانا لهم في قياطينهم واستعلى بنو عبد الواد وتوجين على هذين الحيين وغيرهم بولايتهم للموحدين ومخالطتهم إياهم فذهب شأنهم وافترق قيطونهم أوزاعا في زناتة الوارثين أوطانهم من عبد الواد وتوجين والبقاء لله سبحانه ومن بطون بني وماتوا هؤلاء بنو يامدس وقد يزعم زاعمون أنهم من مغراوة ومواطنهم متصلة قبلة المغرب الأقصى والأوسط وراء العرق المحيط بعمرانها المذكور قبل واختطوا في المواطن القصور والأعلام واتخذوا بها الجنات من النخيل والأعناب وسائر الفواكه فمنها على ثلاثة مراحل قبلة سجلماسة ويسمى وطن توات وفيه قصور متعددة تناهز المائتين آخذة من المشرق إلى المغرب وآخرها من جانب المشرق يسمى تمنطيت وهو بلد مستجر في العمران وهو محط ركاب التجار المترددين من المغرب إلى بلد مالي من السودان لهذا العهد ومن بلد مالي إليه وبينه وبين ثغر بلاد مالي المسمى غار المفازة المجهلة لا يهتدي بها للسبيل ولا يمر الوارد إلا بالدليل الخبير من الملثمين الظواعن بذلك القفز يستأجره التجار على الدربة بهم فيها بأوفر الشروط وكانت بلد بودي وهي أعلى تلك القصور بناحية المغرب من بادية السوس هي الركاب إلى والاتن الثغر الآخر من أعمال مالي ثم أهملت لما صارت الأعراب بادية السوس ينيرون على سابلتها ويعترضون رفاقها فتركوا تلك ونهجوا الطريق إلى بلد السودان من أعلى تمنطيت.
ومن هذه القصور قبلة تلمسان وعلى عشر مراحل منها قصور تيكارين وهي كثيرة تقارب المائة في بسيط واد منحدر من المغرب إلى المشرق واستبحرت في العمران وغصت بالساكن وأكثر سكان هذه القصور الغريبة في الصحراء بنو يامدس هؤلاء ومعهم من سائر قبائل البربر مثل ورتطغير ومصاب وبني عبد الواد وبني مرين وهم أهل عدد وعدة وبعد عن هضمة الأحكام وذل المغارم وفيهم الرجالة والخيالة وأكثر معاشهم من بلح النخل وفيهم افتخار إلى بلاد السودان وضواحيهم كلها مشتاة للعرب ومختصه بعبيد الله من المعقل عينها لهم قسمة الرحلة وربما شاركهم بنو عاهر بن زغبة في تيكرارين فتصل إليها ناجعتهم بعض السنين.
وأما عبيد الله فلا بد لهم في كل سنة من رحلة الشتاء إلى قصور توات وبلد تمنطيت ومع ناجعتهم تخرج قفول التجار من الأمصار والتلول حتى يحطوا بتمنطيت ثم يبذرقون منها إلى بلاد السودان وفي هذه البلاد الصحراوية غريبة في استنباط المياه الجارية لا توجد في تلول المغرب وذلك أن البئر تحفر عميقة بعيدة المهوى وتطوى جوانبها إلى أن يوصل بالحفر إلى حجارة صلدة فتنحت بالمعاول والفؤوس إلى أن يرقجرمها ثم تصعد الفعلة ويقذفون عليها زبرة من الحديد تكسر طبقها على الماء فينبعث صاعدا فيعم البئر ثم يجري على الأرض واديا ويزعمون أن الماء ربما أعجل في بسرعة عن كل شيء وهذه الغريبة موجودة في قصور توات وتيكرارين وواركلا وريغ والعالم أبو العجائب والله الخلاق والعليم وهذا آخر الكلام في الطبقة الأولى من زناتة فلنرجع إلى أخبار الطبقة الثانية وهم الذين اتصلت دولتهم إلى هذا العهد.